تكوين شخصية المرأة المسلمة

تكوين شخصية المرأة المسلمة

افتراح للمنهج الدراسى لكلية الشريعة الخاصة للبنات

(تقديم : ساعية أمّ تقوى)

          انبثق نور الإسلام ليضع الأمور فى مكانها الصحيح. فقد كانت المرأة فى الجاهلية فى مكانة دنيئة وحقيرة وهينة. فولادة الأنثى فى الجاهلية أثر سيئ فى نفس العرب فى خوف الآباء من العار والمتاعب والفقر وتفضيل البنين لأنهم أكثر عناء فى الحرب ومقتضيات العصبية وكسب الرزق. فأخذوا يعالجون الأمر إما إبقاءها على مضض ومهانة وإما تخلصها من عبئها وعارها فيقتلها أو يدفنها فى التراب, بجانب إهدار شخصية المراة فى الجاهلية وأهليتها للتصرف. إذ كانت غالبا لا تملك التصرف ولا ترث التركة ولا حق لها فى الكسب أو التصرف.

          وبينما هذ الظلم يضغط على أنفاس المرأة وفى وقت ذاته أراد الله أن يرتفع فيه هذا الظلم الذى لا مبرر له. فجاء الإسلام ليضع الأمور فى مكانها الصحيح فاعترف بكاملية إنسانية المرأة ورفع عنها ما كانت تعانيه عبر التاريخ من ظلم واحتقار واضطهاد وينقل لها من الحقوق ما لم يكفله لها أىّ تشريع أمر, ويقرر أهليتها الاقتصادية وجعلها فيها ضفوا للرمل وقرر لها أهليتها الاجتماعية كما قرر لها أهليتها للعبادة والتكاليف الشرعية, وأبرز لها ودورا اجتماعيا عاما إذ جعل لها دورا فى اصلاح المجتمع من أمر بمعروف أو نهى عن المنكر, فيقول الله تعالى : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطبعون الله ورسوله (التوبة 71)

          كما دعا الإسلام المساواة بين الرجل والمرأة فى الإنسانية والأدب والأخلاق وفى الأمر والثواب ونتائج الأعمال وغيرها. ومن كمال شريعة الإسلام أن جعل الأحكام التكليفية الخاصة بالرجال دون النساء مثل الإتقان والكسب والجهاد وغيرها رفعا لمكانة المرأة ونظرا لطبيعة جنسها ومطابقا لفطرتها. كما جعل الإسلام الأحكام التكليفية تختلف فيها المرأة والرجل من الميراث والقوامة والدية والحقوق والواجبات والحياة الزوجية, رعاية لمصلحة المرأة والأسرة والمجتمع ومراعات لفطرتها التى فطر الله بها وخلق الله لأجلها.

ولكن الواقع فى هذا الزمن فإن المرأة بدأت تبعد عن دينها ونسيت واجباتها ووظائفها زوجة كانت أو أمّا أو بنتا أو أختا, ولا سيّما أنها عرضت ولا تزال تعرض على نحو حديد يحمل شعار الدفاع عن حقوق المرأة المهضومة وضدّ حرّيتها المسلوبة, وضرورة مساواتها بالرجل من كلّ شئ فيما يتسع به من حرّية  الزواج والمجئ والعمل والسلوك. وضرورة خروجها من سجن البيت وقيوده. وأما البيت المسلم بدأ يتضعضع ويتصدّع وينذر بالسقوط, وذلك لمخالفة كثير من الأزواج والزوجات النظم والأحكام التى قرّرها الله تعالى فى الحياة الزوجية, ولمخالقتهم بها زالت المودّة والرحمة والسكينة فى المعاشرة الزوجية وانهدمت

          وانطلاقا على هذه الأحوال فإنّ المرأة تحتاج إلى العلاج. وأن العلاج الوحيد هو الرجوع إلى دينها وتفهم شرائع ربّها وتعلم رعاية وعناية الإسلام بها, كما أن تعرف المرأة أحكام دينها المتعلقة بها وما لها وما عليها من حقوق وواجبات وعدم تفريطها فى حقوقها وإلزامها بواجباتها. وأن ترضى بما شرعه الله تعالى بها وأن تحمل هذا الرضا على الإلتزام بدينها ولا تختار إلاّ بدينها. قال تعالى  : وما كان المؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا (الأحزاب 3)

نموذج كلّية الشريعة الخاصة للبنات ودورها فى تطبيق الشريعة

          فإنّ الجامعة الإسلامية كغيرها من المؤسسات التربوية والتعلمية لها دور هام فى تعليم الشريعة الإسلامية لأبناء الأمة حتى يتيسّر عليهم فى تطبيقها من الحياة اليومية. بالإضافة على ذلك فإنّ بعض الجامعة الإسلامية تتفرّع عليها فروعا نظرا لطلاب وطالبات الدارسين فيها فرع خاص للطلاب وفرع خاص للطالبات. ومن هذه الجامعات هى جامعة الأزهر الشريف فرع للبنات, وجامعة أمّ القرى بمكة المكرّمة فرع للبنات, جامعة دارالسلام الإسلامية فلها فرعها الخاص أيضا للبنات.

          فرأت الباحثة بأنّ لمثل هذه الجامعات لها دور مهم من تعريف المرأة المسلمة بأحكام دينها لا سيما المتعلق بها وما يجب عليها باعتبارها مسلمة, فإذا عرفت ذلك كان المطلوب منها العمل بما علمت لأن العلم يراد للعمل.

          ولأجل هذا أرادت الباحثة تقديم الاقتراحات لتطوير المنهج الدراسى بكلية الشريعة الإسلامية الخاصة للبنات (فرع البنات) على هذه الاتجاهات.

          (1) فى مجال مادة : فقه العبادات

          بالنسبة لفقه العبادات فقد فرضت ضرورة أن تولى كلية الشريعة الإسلامية الخاصة للبنات هذا الفرع من علم الفقه, ثمّ العناية الواجبة له باعتبار هذا العلم يتعلق بأحكام المرأة كثيرا. فيجب التوسع وإضافة الفصول والأبواب فيما يتعلق بأحكام المرأة فى العبادات.

          فتجب هنا أن تتناول الأحكام المتعلقة بالمرأة فى أنواع الطهارة كالغسل والحيض والنفاس والاستحاضة, وأحكام صلاة المرأة ومثل كيفية صلاة المرأة وعورتها عند الصلاة, وزكاة حلّى المرأة والصيام وما تتعلق بها من الأحكام كصوم الحامل والمرضع وما يترتب على افطارهما وغيرها من الأحكام. وفضلا عن أحكام حجّ المرأة كمحرمها فى السفر, وما يحرم عند احرامها وأداء حجّها عند حيض ونفاسها وغيرهما.

(2) فى مجال فقة المناكحات

          بالنسبة لهذا المجال  فعلى الكلية أن تهتم اهتماما كبيرا فيجب التوسع وإضافة الفصول والأبواب فيما تتعلق بأحكام المرأة خاصة بأنّ هذه المادة أساس فى بناء البيت المسلم.

          فينبغى أن يتناول الزواج وآثاره بداية من كيفية اختيار الزوجة والزوج, المحرمات من النساء والزواج بين المسلمين وغيرهم, وحقوق وواجبات الزوج والزوجة, والطلاق والخلع والإملاء والظهار, واللعان والتفريق وعدّة المرأة المطلقة وغيرها من الأحكام المتعلقة بمتطلبات العصر الحديث مع كل قضاياها المثيرة التى تضع المرأة فى أوضاع مختلفة تماما مع مقامها السابق اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا. 

(3) مادة الأحوال الشخصية

          وتقصد بالأحوال الشخصية هنا ليس محدودة على انعقاد الزواج وآثاره المترتبة, وإنما تشمل على العناية بالأبوّة والبنوّة واثبات الولادة وطرق اثباتها إما بوسائلها التقليدية أم الحديثة. فضلا عن قضايا عن صراع الحقوق كالرضاعة والنفقة والورثة وغيرها بما من هذه المادة أهمية كبيرة للمرأة المسلمة بصفتها أمّا أو زوجة أو بنتا فى المجتمع.

(4) فى قضايا نسائية معاصرة

          فإنّ فى أهمّ قضايا معاصرة التى أشغلت الناس فى القديم والحاضر هو قضية المرأة. ورأت الباحثة أن تهتمّ كلية الشريعة الإسلامية الخاصة للبنات اهتماما كبيرا فى مجال قضية المرأة التى انتشرت فى هذا الزمان وبدافع حامل شعار الدفاع عن حقوق المرأة وضرورة مساواتها بالرجل من كلّ مجالات الحياة وحتى لا تكون المرأة المسلمة ضحية من تلك الحملة الماكرة, فينبغى أن تعرف وتفهم المرأة المسلمة هذه القضية وتجد علاجها الإسلامى.

          وأخيرا ترجو الباحثة أن يكون هذا الاقتراح قد أسهم سهما للجامعة الإسلامية خاصة بكلية الشريعة الإسلامية للبنات فى خدمة شريعة الله الغراء ونشر مفاهيمها وتبيين أحكامها خاصة للمرأة المسلمة فتتعرف حقوقها وواجباتها وتفهم فطرتها التى فطرها الله بها وترضى بما شرع الله بها وتسعد سعادة دنياها وأخراها.  والله أعلم.